فصل: الْأَثر الثَّانِي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث الثَّالِث:

عَن عَائِشَة رَضي اللهُ عَنها أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَا يحل لامْرَأَة تؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر أَن تحد عَلَى ميت فَوق ثَلَاث إِلَّا عَلَى زوج أَرْبَعَة أشهر وَعشرا».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه مُسلم فِي صَحِيحه كَذَلِك من هَذَا الْوَجْه.
تَنْبِيه: ادَّعَى الرَّافِعِيّ أَن عُمُوم «لَا يحل لامْرَأَة» دَالٌّ عَلَى تَحْرِيم الْإِحْدَاد عَلَى الْمَوْطُوءَة بِشُبْهَة، وَفِيه نظر، فَإِن الْمَوْت لَا يُؤثر فِي عدتهَا وَقد يُجَاب بِأَن فرض المسئلة فِي عدتهَا عَن مستفرشها بِشُبْهَة إِذا مَاتَ 1651.

.الحديث الرَّابِع:

عَن أم عَطِيَّة رَضي اللهُ عَنها قَالَت: «كُنَّا ننهى أَن نحد عَلَى ميت فَوق ثَلَاث إِلَّا عَلَى زوج أَرْبَعَة أشهر وَعشرا وَأَن نكتحل وَأَن نلبس ثوبا معصفرًا».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا إِلَّا أَنَّهُمَا قَالَا: بدل «ثوبا معصفرًا» «ثوبا مصبوغًا إِلَّا ثوب عصب» كَمَا سلف أول الْبَاب.

.الحديث الخَامِس:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم دخل عَلَى أم سَلمَة وَهِي حادة عَلَى أبي سَلمَة، وَقد جعلت عَلَى عينهَا صبرا، فَقَالَ: مَا هَذَا يَا أم سَلمَة؟ فَقَالَت: هُوَ صَبر لَا طيب فِيهِ. قَالَ: اجعليه بِاللَّيْلِ، وامسحيه بِالنَّهَارِ».
هَذَا الحَدِيث ذكره الشَّافِعِي فِي الْأُم فَقَالَ: أبنا مَالك أَنه بلغه «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم دخل عَلَى أم سَلمَة وَهِي حادة عَلَى أبي سَلمَة وَقد جعلت عَلَى عينهَا صبرا فَقَالَ: مَا هَذَا يَا أم سَلمَة؟ فَقَالَت: يَا رَسُول الله، إِنَّمَا هُوَ صَبر. فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: اجعليه بِاللَّيْلِ وامسحيه بِالنَّهَارِ».
وَرَوَاهُ مَالك فِي الْمُوَطَّأ بلاغًا أَيْضا كَذَلِك، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيّ مُسْندًا من حَدِيث ابْن وهب، عَن مخرمَة بن بكير، عَن أَبِيه قَالَ: سَمِعت الْمُغيرَة بن الضَّحَّاك يَقُول: أَخْبَرتنِي أم حَكِيم بنت أسيد، عَن أمهَا «أَن زَوجهَا توفّي، وَكَانَت تَشْتَكِي عينهَا فتكتحل بكحل الْجلاء». قَالَ أَحْمد- يَعْنِي ابْن صَالح أحد رُوَاته-: الصَّوَاب كحل الجلا يَعْنِي مَقْصُور- فَأرْسلت مولَى لَهَا إِلَى أم سَلمَة فَسَأَلَهَا عَن كحل الْجلاء فَقَالَت: لَا تكتحل بِهِ إِلَّا من أَمر لابد مِنْهُ يشْتَد عَلَيْك فتكتحليه بِاللَّيْلِ وتمسحيه بِالنَّهَارِ، ثمَّ قَالَت عِنْد ذَلِكَ أم سَلمَة: دخل عَليَّ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين توفّي أَبُو سَلمَة، وَقد جعلت عَلَى عَيْني صبرا فَقَالَ: «مَا هَذَا يَا أم سَلمَة؟ فَقَالَت: إِنَّمَا هُوَ صَبر يَا رَسُول الله لَيْسَ فِيهِ طيب قَالَ: إِنَّه ليشب الْوَجْه فَلَا تجعليه إِلَّا بِاللَّيْلِ وتنزعيه بِالنَّهَارِ، وَلَا تمتشطي بالطيب وَلَا بِالْحِنَّاءِ، فَإِنَّهُ خضاب. قلت: بِأَيّ شَيْء أمتشط يَا رَسُول الله؟ قَالَ: بالسدر تغلفين بِهِ رَأسك».
هَذَا لفظ أبي دَاوُد، وَلَفظ النَّسَائِيّ مثله إِلَّا أَنه لم يذكر قَول أَحْمد، وَلَا قَوْله: «وتنزعه بِالنَّهَارِ».
وَلما أخرجه الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من حَدِيث مَالك بلاغًا قَالَ: هَذَا مُنْقَطع. قَالَ: وَقد روينَا بِإِسْنَاد مَوْصُول... فَذكره من طَرِيق أبي دَاوُد، وَلَعَلَّه يرَى بِسَمَاع مخرمَة من أَبِيه، وَفِيه خلاف. وَأعله الْمُنْذِرِيّ بِجَهَالَة أم حَكِيم، فَقَالَ: أمهَا مَجْهُولَة. وَقَالَ عبد الْحق: لَيْسَ لهَذَا الحَدِيث إِسْنَاد يعرف؛ لِأَنَّهُ عَن أم حَكِيم، عَن أمهَا، عَن مولاة لَهَا، عَن أم سَلمَة.
فَائِدَة: الصَّبْر- بِكَسْر الْبَاء، وَيجوز إسكانها- مَعْرُوف، قَالَ الْأَزْهَرِي: والجلاء، والجلي، والجلا: الإثمد، وَقيل: كحل وَقد جَاءَ فِي بعض نسخ الْمُوَطَّأ بِالْكَسْرِ وَالْمدّ، وَقد سلف مَا فِي رِوَايَة أبي دَاوُد. وَقَالَ الْخطابِيّ: سمي بذلك لِأَنَّهُ يجلو الْعين. وَقَالَ ابْن الْأَثِير فِي جامعه: هُوَ بِالْفَتْح وَالْقصر: كحل الإثمد، وبالكسر وَالْمدّ: كحل، وَمَعْنى يشب الْوَجْه: يوقده وينوره، من شب النَّار إِذا أوقدها، وَقَوله: «تغلفين رَأسك» يُقَال: غلفت الْمَرْأَة وَجههَا بالحمرة، إِذا جَعلتهَا عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ غلفت شعرهَا إِذا لطخت بهَا وَأَكْثَرت مِنْهَا.

.باب السُّكْنَى للمعتدة:

ذكر فِيهِ أَحَادِيث وآثارًا:

.أما الْأَحَادِيث:

فسبعة:

.الحديث الأول:

«أَن فريعة بنت مَالك أُخْت أبي سعيد الْخُدْرِيّ قتل زَوجهَا فَسَأَلت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن ترجع إِلَى أَهلهَا وَقَالَت: إِن زَوجي لم يتركني فِي منزل يملكهُ فأَذِنَ لَهَا فِي الرّجُوع قَالَت: فَانْصَرَفت حَتَّى إِذا كنت فِي الْحُجْرَة أَو فِي الْمَسْجِد دَعَاني فَقَالَ: امكثي فِي بَيْتك حَتَّى يبلغ الْكتاب أَجله. قَالَت: فاعتددت فِيهِ أَرْبَعَة أشهر وَعشرا».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ مَالك فِي الْمُوَطَّأ، وَالشَّافِعِيّ عَنهُ، عَن سعد بن إِسْحَاق، عَن عمته زَيْنَب، عَن الفريعة.
وَأحمد عَن يَحْيَى بن سعيد عَن سعد بِهِ. وَأَبُو دَاوُد عَن القعْنبِي، وَالتِّرْمِذِيّ، عَن مُحَمَّد بن بشار، عَن يَحْيَى بن سعيد بِهِ، وَعَن إِسْحَاق بن مُوسَى، عَن معن، عَن مَالك بِهِ.
وَالنَّسَائِيّ، عَن قُتَيْبَة، عَن اللَّيْث.
وَمن طَرِيق آخر عَن سعد بن إِسْحَاق.
وَابْن مَاجَه، عَن أبي بكر بن أبي شيبَة، عَن أبي خَالِد الْأَحْمَر، عَن سعد بِهِ.
وَالطَّبَرَانِيّ عَن عَلّي بن عبد الْعَزِيز، وَأبي مُسلم الْكشِّي، عَن القعْنبِي، عَن مَالك، وَلما رَوَاهُ عبد الْغَنِيّ بن سعيد من حَدِيث اللَّيْث بن سعد، عَن يزِيد بن أبي حبيب، عَن يزِيد بن مُحَمَّد، عَن سعد بن إِسْحَاق، قَالَ: هَذَا حَدِيث غَرِيب من حَدِيث يزِيد بن مُحَمَّد لَا أعلم حدَّث بِهِ عَنهُ إِلَّا يزِيد بن أبي حبيب.
قلت: وَرَوَاهُ سُفْيَان الثَّوْريّ وَابْن إِسْحَاق، وَأَبُو بَحر البكراوي، عَن سعد كَذَلِك، وَرَوَاهُ حَمَّاد بن زيد، عَن إِسْحَاق بن سعد، وَقيل: عَن حَمَّاد، عَن سعد بن إِسْحَاق، وَإِسْحَاق من رِوَايَة حَمَّاد أشهر، وَسعد من رِوَايَة غَيره أشهر كَمَا قَالَه الْبَيْهَقِيّ، قَالَ: وَزعم مُحَمَّد بن يَحْيَى الذهلي- فِيمَا يرَى- أَنَّهُمَا اثْنَان.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: فَإِن لم يَكُونَا اثْنَيْنِ فسعد بن إِسْحَاق أولَى لموافقته سَائِر الروَاة عَن سعد، قَالَ: والْحَدِيث مَشْهُور بِسَعْد بن إِسْحَاق، وَقد رَوَاهُ عَنهُ جمَاعَة من الْأَئِمَّة.
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي علله: قَول من قَالَ عَن سعد بن إِسْحَاق هُوَ الصَّحِيح. وسياقة الحَدِيث لمَالِك، وَالشَّافِعِيّ، وَأبي دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيّ، عَن سعد بن إِسْحَاق بن كَعْب بن عجْرَة، عَن عمته زَيْنَب بنت كَعْب بن عجْرَة «أَن الفريعة بنت مَالك بن سِنَان- وَهِي أُخْت أبي سعيد الْخُدْرِيّ- أخْبرتهَا أَنَّهَا جَاءَت إِلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم تسأله أَن ترجع إِلَى أَهلهَا فِي بني خُدرة؛ فَإِن زَوجهَا خرج فِي طلب أعبد لَهُ أَبقوا حَتَّى إِذا كَانُوا بِطرف الْقدوم لحقهم فَقَتَلُوهُ، قَالَت: فَسَأَلت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن أرجع إِلَى أَهلِي فِي بني خدرة فَإِن زَوجي لم يتركني فِي مسكن يملكهُ وَلَا نفقةٍ، قَالَت: فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: نعم. قَالَت: فَانْصَرَفت حَتَّى إِذا كنت فِي الْحُجْرَة ناداني رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو أمَر بِي فنوديت، فَقَالَ: كَيفَ قلت؟ فَرددت عَلَيْهِ الْقِصَّة الَّتِي ذكرت لَهُ من شَأْن زَوجي، فَقَالَ: أبيتي فِي بَيْتك حَتَّى يبلغ الْكتاب أَجله. قَالَت: فاعتددت فِيهِ أَرْبَعَة أشهر وَعشرا، قَالَت: فَلَمَّا كَانَ عُثْمَان بن عَفَّان أرسل إليّ فَسَأَلَنِي عَن ذَلِكَ، فَأَخْبَرته فَاتبعهُ وَقَضَى بِهِ».
وَسِياقة النَّسَائِيّ «أَن زَوجهَا تَكَارَى عُلُوجًا لَيعمَلُوا لَهُ فَقَتَلُوهُ، فَذكرت ذَلِكَ لرَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَت: إِنِّي لست فِي مسكن لَهُ وَلَا يجْرِي عَلّي مِنْهُ رزق، أفأنتقل إِلَى أَهلِي ويتاماي وأقوم عَلَيْهِم؟ قَالَ: افعلي. ثمَّ قَالَ: كَيفَ قلت؟ فأعادت عَلَيْهِ قَوْلهَا، فَقَالَ: اعْتدي حَيْثُ بلغك الْخَبَر».
وَفِي لفظٍ «أَن زَوجهَا خرج فِي طلب أعلاج لَهُ فَقَتَلُوهُ وَكَانَت فِي دارٍ قاصية فَجَاءَت وَمَعَهَا أَخَوَاهَا إِلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكرُوا لَهُ فَرخص لَهَا حَتَّى إِذا رجعت دَعَاهَا، فَقَالَ: اجلسي فِي بَيْتك حَتَّى يبلغ الْكتاب أَجله». وسياقة ابْن مَاجَه أَن الفريعة بنت مَالك قَالَت: «خرج زَوجي فِي طلب أعْلاج لَهُ فأدركهم بِطرف الْقدوم فَقَتَلُوهُ، فجَاء نعي زَوجي وَأَنا فِي دارٍ من دور الْأَنْصَار شاسعة عَن دَار أَهلِي فَأتيت النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقلت: يَا رَسُول الله، إِنَّه جَاءَ نعي زَوجي وَأَنا فِي دَار شاسعة عَن دَار أَهلِي وَدَار إخوتي وَلم يدع مَالا ينْفق عليّ، وَلَا مَالا ورثته، وَلَا دَارا يملكهَا، فَإِن رَأَيْت أَن تَأذن لي فَألْحق بدار أَهلِي وَدَار إخوتي فَإِنَّهُ أحبُّ إِلَيّ وأَجْمَع لي فِي بعض أَمْرِي، قَالَ: فافعلي مَا شِئْت. قَالَت: فَخرجت قريرة عَيْني لما قَضَى الله لي عَلَى لِسَان رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى إِذا كنت فِي الْمَسْجِد أَو فِي بعض الْحُجْرَة دَعَاني، فَقَالَ: كَيفَ زعمت؟ قَالَت: فقصصت عَلَيْهِ، فَقَالَ: امكثي فِي بَيْتك الَّذِي جَاءَ فِيهِ نعي زَوجك حَتَّى يبلغ الْكتاب أَجله. قَالَت: فاعتددت فِيهِ أَرْبَعَة أشهر وَعشرا».
وَهُوَ حَدِيث صَحِيح كَمَا أسلفناه. وَقد أخرجه مَعَ من تقدم أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه، وَالْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه من الطَّرِيق الْمَذْكُور.
وَلم يذكر ابْن حبَان فِي أحد طريقيه إرْسَال عُثْمَان وَذكره فِي الْأُخْرَى، ثمَّ قَالَ: رَوَى هَذَا الْخَبَر الزُّهْرِيّ عَن مَالك، وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح.
وَقَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد من طَرِيق حَمَّاد بن زيد، عَن إِسْحَاق بن سعد، عَن زَيْنَب، وَمن طَرِيق يَحْيَى بن سعيد، عَن سعد بن إِسْحَاق عَن زَيْنَب، عَن فريعة. قَالَ: وَرَوَاهُ مَالك فِي الْمُوَطَّأ، عَن سعد، عَن زَيْنَب عَنْهَا، قَالَ مُحَمَّد بن يَحْيَى الذهلي: هَذَا حَدِيث صَحِيح ومحفوظ وهما اثْنَان: سعد بن إِسْحَاق وَهُوَ أشهرهما، وَإِسْحَاق بن سعد بن كَعْب، وَقد رَوَى عَنْهُمَا جَمِيعًا يَحْيَى بن سعيد الْأنْصَارِيّ، فقد ارْتَفَعت عَنْهُمَا جَمِيعًا الْجَهَالَة. وَخَالف أَبُو مُحَمَّد بن حزم فَقَالَ فِي محلاه: حَدِيث فريعة هَذَا فِيهِ زَيْنَب بنت كَعْب بن عجْرَة وَهِي مَجْهُولَة لَا تعرف، وَلَا رَوَى عَنْهَا أحد غير سعد بن إِسْحَاق، وَهُوَ غير مَشْهُور بِالْعَدَالَةِ عَلَى أَن النَّاس أخذُوا عَنهُ هَذَا الحَدِيث لغرابته، وَلِأَنَّهُ لم يُوجد عِنْد أحد سواهُ فسفيان يَقُول سعيد، وَمَالك وَغَيره يَقُولُونَ سعد، وَالزهْرِيّ يَقُول عَن ابْن كَعْب بن عجْرَة فَبَطل الِاحْتِجَاج بِهِ؛ إِذْ لَا يحل أَن يُؤْخَذ عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا مَا لَيْسَ فِي إِسْنَاده مَجْهُول وَلَا ضَعِيف. وَنقل هَذَا التَّعْلِيل عبد الْحق فِي أَحْكَامه عَن ابْن حزم مُخْتَصرا، وَأقرهُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: قَالَ عَلّي بن أَحْمد: زَيْنَب هَذِه مَجْهُولَة لم يرو حَدِيثهَا غير سعد بن إِسْحَاق بن كَعْب وَهُوَ غير مَشْهُور بِالْعَدَالَةِ. مَالك يَقُول: فِيهِ إِسْحَاق بن سعد، وسُفْيَان يَقُول: سعيد. وَاعْتَرضهُ ابْن الْقطَّان فَقَالَ: كَأَن عبد الْحق ارتضى هَذَا القَوْل من ابْن حزم وَصَححهُ عَلَى قَول ابْن عبد الْبر إِنَّه حَدِيث مَشْهُور. قلت: وَعِنْدِي أَنه لَيْسَ كَمَا ذهب إِلَيْهِ، بل الحَدِيث صَحِيح فَإِن سعد بن إِسْحَاق ثِقَة، وَمِمَّنْ وَثَّقَهُ النَّسَائِيّ، وَزَيْنَب كَذَلِك ثِقَة، وَفِي تَصْحِيح التِّرْمِذِيّ توثيقها وتوثيق سعد بن إِسْحَاق، وَلَا يضر الثِّقَة أَلا يروي عَنهُ إِلَّا وَاحِد. قَالَ: وَأما قَول ابْن حزم إِسْحَاق بن سعد فَكَذَا وَقع فِي نسخ صَحِيحَة وَهُوَ خطأ وَصَوَابه سعد بن إِسْحَاق، قَالَ: وَالْأَمر فِيهِ بَين.
قلت: وتخطئته فِي ذَلِكَ لَيْسَ بجيد، فقد أسلفنا عَن الذهلي الْحَافِظ أَنَّهُمَا اثْنَان، وَقَول ابْن حزم: لم يرو عَن زَيْنَب غير سعد بن إِسْحَاق لَيْسَ كَذَلِك، وَكَأَنَّهُ تَابع فِي ذَلِكَ عليّ بن الْمَدِينِيّ، فَإِنَّهُ قَالَ: لم يرو عَنْهَا غَيره، وَقد رَوَى عَنْهَا إِسْحَاق بن سعد كَمَا سلف، وَسعد بن إِسْحَاق- كَمَا سلف أَيْضا إِن كَانَ آخر- وَابْن أَخِيهَا سُلَيْمَان بن مُحَمَّد بن كَعْب بن عجْرَة، رَوَى حَدِيثه الإِمَام أَحْمد، أَنبأَنَا بِهِ غير وَاحِد عَن الْفَخر بن البُخَارِيّ، أبنا حَنْبَل، أبنا ابْن الْحصين، أبنا ابْن الْمَذْهَب، أبنا الْقطيعِي، أَنبأَنَا عبد الله بن أَحْمد، حَدَّثَني أبي، حَدَّثَني يَعْقُوب ثَنَا أبي، عَن ابْن إِسْحَاق، حَدَّثَني عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن معمر بن حزم، عَن سُلَيْمَان بن مُحَمَّد بن كَعْب بن عجْرَة، عَن عمته زَيْنَب بنت كَعْب بن عجْرَة- وَكَانَت عِنْد أبي سعيد الْخُدْرِيّ- عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: «اشْتَكَى النَّاس عليًّا فَقَامَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم خَطِيبًا فَسَمعته يَقُول: أَيهَا النَّاس لَا تَشكوا عليًّا فوَاللَّه إِنَّه لأخشين فِي ذَات الله أَو فِي سَبِيل الله».
قلت: وَأما زَيْنَب فقد أسلفنا ثقتها فِي كَلَام ابْن الْقطَّان، وَمِمَّنْ وثقها ابْن حبَان فَإِنَّهُ ذكرهَا فِي ثقاته بل ذكرهَا ابْن فتحون وَأَبُو إِسْحَاق بن الْأمين فِي جملَة الصَّحَابَة فصح الحَدِيث وَللَّه الْحَمد.
فَائِدَة: الفُرَيعة بِضَم الْفَاء وَفتح الرَّاء وبالعين الْمُهْملَة، وَيُقَال أَيْضا الفارعة، وَهِي خدرية أنصارية أُخْت أبي سعيد لِأَبِيهِ وَأمه، وَأمّهَا أنيسَة بنت أبي خَارِجَة عَمْرو بن قيس بن مَالك، قَالَه ابْن سعد، وَقَالَ غَيره: اسْمهَا حَبِيبَة بنت عبد الله بن أبي بن سلول، وَلم يحك الْمزي فِي تهذيبه غَيره. شهِدت الفريعة بيعَة الرضْوَان.
فَائِدَة ثَانِيَة: الفريعة يجوز أَن تكون تصغيرًا للفرعة بِفَتْح الْفَاء وَالرَّاء مَفْتُوحَة وساكنة اسْم للقملة وَهُوَ مَا اقْتصر عَلَيْهِ الْجَوْهَرِي، وَيجوز أَن يكون من قَوْلهم: فُلَانَة فرعت قَومهَا فَهِيَ فارعتهم إِذا كَانَت أجمل مَا فيهم، ثمَّ حذفت الْألف لتصغيره تَصْغِير التَّرْخِيم.
فَائِدَة ثَالِثَة: الْقدوم الْمَذْكُور فِي هَذَا الحَدِيث هُوَ بتَخْفِيف الدَّال كَذَا قَيده الْحَازِمِي فِي أَسمَاء الْأَمَاكِن، قَالَ: وَهُوَ جبل بالحجاز قرب الْمَدِينَة قَالَ: وَهُوَ بتَخْفِيف الدَّال أَيْضا قَرْيَة كَانَت عِنْد حلب، وَقيل: كَانَ اسْم مجْلِس إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام بحلب.
وَفِي الحَدِيث «اختتن إِبْرَاهِيم بالقدوم» أَرَادَ بِهِ الْموضع كَذَا جَاءَ مُفَسرًا فِي الحَدِيث، قَالَ: وَقَول أَحْمد بن يَحْيَى الْقدوم- بتَشْديد الدَّال- اسْم مَوضِع، إِن أَرَادَ أحد هذَيْن الْمَوْضِعَيْنِ فَلَا يُتَابع عَلَى ذَلِكَ لِاجْتِمَاع أهل النَّقْل عَلَى خلاف ذَلِكَ، وَإِن أَرَادَ موضعا ثَالِثا صَحَّ. قلت: وَكَذَا جزم ابْن حبَان بِأَن الْقدوم الْمَذْكُور فِي هَذَا الحَدِيث هُوَ الْمَذْكُور فِي الاختتان، فَقَالَ فِي صَحِيحه عقب هَذَا الحَدِيث: الْقدوم مَوضِع بالحجاز، قَالَ: وَهُوَ الْموضع الَّذِي رُوِيَ فِي بعض الْأَخْبَار أَن إِبْرَاهِيم اختتن بالقدوم.
وَوَقع فِي الْمطلب لِابْنِ الرّفْعَة أَن الْقدوم فِي هَذَا الحَدِيث يشدد ويخفف وَأَنه عَلَى سِتَّة أَمْيَال من الْمَدِينَة وَتَبعهُ الشَّيْخ نجم الدَّين البالسي فِي شَرحه للتّنْبِيه. فليحذر التَّشْدِيد.
فَائِدَة رَابِعَة: قَالَ الرَّافِعِيّ: من قَالَ: أَنه لَا سُكْنى للمعتدة من الْوَفَاة، قَالَ: قَوْله أمكثي فِي بَيْتك ندب لَهَا إِلَى الِاعْتِدَاد فِي ذَلِكَ الْبَيْت وَالْمَذْكُور أَولا بَيَان أَنه لَا سُكْنى لَهَا، وذهب كثير من الْأَصْحَاب إِلَى بِنَاء الْقَوْلَيْنِ عَلَى التَّرَدُّد فِي أَن حَدِيث فريعة منزل عَلَى هَذَا التَّنْزِيل أَو الأول بِأَنَّهُ حكم بِأَنَّهُ لَا سُكْنى لَهَا، وَالَّذِي ذكره آخرا ينْسَخ الأول قَالَ: وَرُبمَا أُشير إِلَى حمل الأول عَلَى السَّهْو وَالثَّانِي عَلَى التَّدَارُك وَقد يسهو عَلَيْهِ السَّلَام لكنه لَا يقر عَلَى خطأ.

.الحديث الثَّانِي:

«أَن فَاطِمَة بنت أبي حُبَيْش بت زَوجهَا طَلاقهَا فَأمرهَا أَن تَعْتَد فِي بَيت ابْن أم مَكْتُوم».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه مُسلم فِي صَحِيحه كَمَا سلف فِي بَاب النَّهْي عَن الْخطْبَة عَلَى الْخطْبَة لَكِنَّهَا فَاطِمَة بنت قيس، وَأما فَاطِمَة بنت أبي حُبَيْش فأخرى رَوَت حَدِيث الِاسْتِحَاضَة فَتنبه لذَلِك.

.الحديث الثَّالِث:

عَن مُجَاهِد «أَن رجَالًا اسْتشْهدُوا بِأحد، فَقَالَ نِسَاؤُهُم: يَا رَسُول الله، إِنَّا نستوحش فِي بُيُوتنَا فنبيت عِنْد إحدانا. فَأذن لَهُنَّ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يتحدثن عِنْد إِحْدَاهُنَّ فَإِذا كَانَ وَقت النّوم تأوي كل امْرَأَة إِلَى بَيتهَا».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الشَّافِعِي، عَن عبد الْمجِيد، عَن ابْن جريج، قَالَ: أَخْبرنِي إِسْمَاعِيل بن كثير، عَن مُجَاهِد، قَالَ: «اسْتشْهد رجال يَوْم أحد فأيم نساؤهن وَكن متجاورات فِي دَار، فجئن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقُلْنَ: يَا رَسُول الله، إِنَّا لنستوحش بِاللَّيْلِ فنبيت عِنْد إحدانا، فَإِذا أَصْبَحْنَا تبددنا إِلَى بُيُوتنَا، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: تحدثن عِنْد إحداكنّ مَا بدا لكنّ، فَإِذا أردتن النّوم فلْتؤب كل امْرَأَة إِلَى بَيتهَا» وَهَذَا معضل وَعبد الْمجِيد هَذَا من رجال مُسلم مَقْرُونا بِهِشَام بن سُلَيْمَان الْمَكِّيّ وَهُوَ مِمَّن اخْتلف فِيهِ، وَثَّقَهُ ابْن معِين وَغَيره، وَقَالَ أَبُو دَاوُد: ثِقَة دَاعِيَة إِلَى الإرجاء، وَتَركه ابْن حبَان.
قلت: وَتَابعه عبد الرَّزَّاق فَرَوَاهُ عَن ابْن جريج، عَن عبد الله بن كثير، عَن مُجَاهِد، ذكره عبد الْحق فِي أَحْكَامه، ثمَّ قَالَ: هَذَا مُرْسل.
قلت: ويقوى هَذَا الْمُرْسل بِمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ، عَن ابْن عمر رَضي اللهُ عَنهُ أَنه قَالَ: «الْمُطلقَة والمتوفى عَنْهَا زَوجهَا تخرجان بِالنَّهَارِ وَلَا تبيتان لَيْلَة تَامَّة عَن بيوتهما» وَفِي رِوَايَة لَهُ عَنهُ: أَنه قَالَ: «الْمُطلقَة الْبَتَّةَ تزور بِالنَّهَارِ وَلَا تغيب عَن بَيتهَا».
وَفِي رِوَايَة أُخْرَى لَهُ: أَنه كَانَ يَقُول: «لَا يصلح للْمَرْأَة أَن تبيت لَيْلَة وَاحِدَة إِذا كَانَت فِي عدَّة وَفَاة أَو طَلَاق إلاّ فِي بَيتهَا».
وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ أَيْضا عَن عَلْقَمَة «أَن نسَاء من هَمَدَان نعي لَهُنَّ أَزوَاجهنَّ فسألن ابْن مَسْعُود فَقُلْنَ: إِنَّا نستوحش فأمرهن أَن يجتمعن بِالنَّهَارِ فَإِذا كَانَ اللَّيْل فَلْتَرْجِعْ كل امْرَأَة إِلَى بَيتهَا» وَلما رَوَاهُ أَيْضا عَن مَنْصُور، عَن إِبْرَاهِيم، عَن رجل من أسلم «أَن امْرَأَة سَأَلت أم سَلمَة مَاتَ عَنْهَا زَوجهَا تمرض أَبَاهَا، قَالَت أم سَلمَة: كوني أحد طرفِي النَّهَار فِي بَيْتك» وَلما رَوَى مَالك فِي الْمُوَطَّأ عَن يَحْيَى بن سعيد أَنه قَالَ: «بَلغنِي أَن السَّائِب بن خباب توفّي وَأَن امْرَأَته جَاءَت عبد الله بن عمر فَذكرت وَفَاة زَوجهَا وَذكرت لَهُ حرثًا لَهُم بقناة وسَأَلته هَل يصلح لَهَا أَن تبيت فِيهِ فَنَهَاهَا عَن ذَلِكَ، فَكَانَت تخرج من الْمَدِينَة بِسحر فَتُصْبِح فِي حرثِهم فتظل فِيهِ يَوْمهَا ثمَّ تدخل الْمَدِينَة إِذا أمست تبيت فِي بَيتهَا».
فَائِدَة: قَوْله فِي حَدِيث مُجَاهِد «فأيَّم نِسَاؤُهُم» أَي صرن أيامى جمع أَيِّم: وَهِي الَّتِي لَا زوج لَهَا.
وَقَوله: «مَا بَدَا لَكُنَّ» أَي مَا شئتن، وطرق لَكُنَّ من سَهْو الحَدِيث، وَقَوله: فلتؤب أَي ترجع.

.الحديث الرَّابِع:

عَن جَابر رَضي اللهُ عَنهُ قَالَ: «طُلقت خَالَتِي ثَلاثًا فَخرجت تَجِد نخلا لَهَا، فَنَهَاهَا رجل، فَأَتَت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكرت ذَلِكَ لَهُ، فقَالَ: اخْرُجِي فجدي نخلك لَعَلَّك أَن تصدقي مِنْهُ أَو تفعلي مَعْرُوفا».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه أَبُو دَاوُد فِي سنَنه كَذَلِك وَمُسلم فِي صَحِيحه وَهُوَ من أَفْرَاده وَلم يذكر لَفْظَة «ثَلَاثًا».
وَهَذَا لَفظه: «طلقت خَالَتِي فَأَرَادَتْ أَن تَجِد نخلها فزجرها رجل أَن تخرج، فَأَتَت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: بلَى فجدي نخلك فَإنَّك عَسى أَن تصدقي أَو تفعلي مَعْرُوفا». أخرجه من حَدِيث مُحَمَّد بن حَاتِم، عَن يَحْيَى بن سعيد، عَن ابْن جريج عَن أبي الزبير، عَن جَابر بِهِ.
وَأما الْحَاكِم فَأخْرجهُ فِي مُسْتَدْركه عَن الْقطيعِي، عَن عبد الله بن أَحْمد عَن أَبِيه عَن يَحْيَى بِهِ، بِلَفْظ أبي دَاوُد ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم وَلم يخرجَاهُ. فَكَأَنَّهُ استدرك عَلَيْهِ لَفْظَة «ثَلَاثًا» فَإِنَّهَا لَيست فِيهِ. وَلما أخرجه الْبَيْهَقِيّ عَن شَيْخه الْحَاكِم قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح وَرَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحه وَأَرَادَ أَصله.
فَائِدَة: خالةُ جابرٍ هَذِه ذكرهَا أَبُو مُوسَى فِي الصَّحَابَة وَلم يسمهَا.
فَائِدَة ثَانِيَة: مَعْنَى تَجِد تقطع، والجداد فِي النّخل كالحصاد فِي الزَّرْع.

.الحديث الخَامِس:

«أَن الغامدية لما أَتَت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَاعْتَرَفت بِالزِّنَا رَجمهَا بعد وضع الْحمل».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه مُسلم من حَدِيث بُرَيْدَة رَضي اللهُ عَنهُ، وسيأتيك فِي بَاب حدّ الزِّنَا- إِن شَاءَ الله ذَلِكَ وَقدره.

.الحديث السَّادِس:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِي قصَّة العسيف: «اغْدُ يَا أنيس عَلَى امْرَأَة هَذَا فَإِن اعْترفت فارجمها» وَلم يَأْمر بإحضارها.
هَذَا الحَدِيث صَحِيح وَقد سبق بِطُولِهِ فِي بَاب اللّعان.
فَائِدَة: اسْم الغامدية: سبيعة، وَقيل: أبيَّة، حَكَاهَا الْخَطِيب فِي مبهماته وعدها أَبُو مُوسَى الْأَصْبَهَانِيّ فِي الصَّحَابَة، وَاسم الْمَرْأَة الْأُخْرَى لم أَقف عَلَيْهِ بعد الْبَحْث عَنهُ فتطلبه.

.الحديث السَّابِع:

اشْتهر عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: «لَا يخلون رجل بِامْرَأَة فَإِن ثالثهما الشَّيْطَان».
هُوَ كَمَا قَالَ وَله طرق: أَحدهَا: من حَدِيث عَامر بن ربيعَة، رَوَاهُ أَحْمد، وَالْحَاكِم وَقَالَ: إِسْنَاده صَحِيح.
ثَانِيهَا: وَصَححهُ ابْن حبَان من حَدِيث عمر بن الْخطاب، رَوَاهُ أَحْمد وَالْحَاكِم وَقَالَ: حَدِيث صَحِيح.
ثَالِثهَا: من حَدِيث جَابر بن عبد الله، رَوَاهُ ابْن حبَان وَأَصله فِي مُسلم. وَقد ذكرتها بألفاظها فِي تخريجي لأحاديث الْمُهَذّب فِي بَاب صفة الْأَئِمَّة، وأصل الحَدِيث فِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث ابْن عَبَّاس بِدُونِ الزِّيَادَة الْأَخِيرَة وَهِي «فَإِن ثالثهما الشَّيْطَان» وَلَفْظهمَا: «لَا يَخلون رجل بِامْرَأَة إلاّ وَمَعَهَا ذُو محرم»، وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ: «لَا يدْخل عَلَيْهَا رجل إلاّ وَمَعَهَا محرم».
هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب.

.وَأما آثاره:

فَأَرْبَعَة:

.أَحدهَا:

«أَن عليا رَضي اللهُ عَنهُ نقل ابْنَته أم كُلْثُوم بَعْدَمَا اسْتشْهد عمر رَضي اللهُ عَنهُ بِسبع لَيَال».
وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن مهْدي، عَن سُفْيَان، عَن فراس، عَن الشّعبِيّ، قَالَ: «نقل عَلّي أم كُلْثُوم بعد قتل عمر بِسبع ليالٍ». قَالَ: وَرَوَاهُ سُفْيَان الثَّوْريّ فِي جامعه وَقَالَ: لِأَنَّهَا كَانَت فِي دَار الْإِمَارَة.

.الْأَثر الثَّانِي:

عَن ابْن عمر رَضي اللهُ عَنهما قَالَ: «لَا يصلح للْمَرْأَة أَن تبيت لَيْلَة وَاحِدَة إِذا كَانَت فِي عدَّة طَلَاق أَو وَفَاة إلاّ فِي بَيتهَا».
وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الشَّافِعِي، عَن عبد الْمجِيد، عَن ابْن جريج، عَن ابْن شهَاب، عَن سَالم بن عبد الله، عَن عبد الله أَنه كَانَ يَقُول... فَذكره، وَقد أسلفنا رِوَايَته عَن الْبَيْهَقِيّ أَيْضا. وَعرفت حَال عبد الْمجِيد هَذَا أَيْضا.

.الْأَثر الثَّالِث:

قَالَ الرَّافِعِيّ: لَو كَانَت تبدو وتستطيل بلسانها عَلَى أحمائها يجوز إخْرَاجهَا من الْمسكن، قَالَ تَعَالَى: {لَا تخرجوهنّ من بُيُوتهنَّ وَلَا يخرجنْ إلاّ أَن يَأْتِين بفاحشةٍ مبينَة} والفاحشة مفسّرة بذلك فِيمَا رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس وَغَيره رَضي اللهُ عَنهم.
هُوَ كَمَا قَالَ: فقد رَوَى الشَّافِعِي، عَن عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد الدراورْدي عَن مُحَمَّد بن عَمْرو بن عَلْقَمَة، عَن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ، عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله «إلاّ أَن يَأْتِين بِفَاحِشَة مبينَة، قَالَ: أَن تبذُو عَلَى أَهلهَا فَإِذا بَذَت عَلَيْهِم فقد حلّ لَهُم إخْرَاجهَا».
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من هَذَا الْوَجْه من حَدِيث عَمْرو مولَى الْمطلب، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس «الْفَاحِشَة المبينة أَن تفحش الْمَرْأَة عَلَى أهل الرجل وتؤذيهم».
قَالَ الشَّافِعِي: سنة رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَدِيث فَاطِمَة بنت قيس تدل عَلَى أَن مَا تَأَول ابْن عَبَّاس فِي هَذِه الْآيَة هُوَ الْبذاء عَلَى أهل زَوجهَا هُوَ كَمَا تَأَول- إِن شَاءَ الله- وَقَول الرَّافِعِيّ: أَن غير ابْن عَبَّاس قَالَ ذَلِكَ ستعلمه عَلَى الإثر إِن شَاءَ الله.

.الْأَثر الرَّابِع:

عَن سعيد بن الْمسيب «أَنه كَانَ فِي لِسَان فَاطِمَة بنت قيس ذرابة فاستطالت عَلَى أحمائها».
وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث عَمْرو بن مَيْمُون عَن أَبِيه، قَالَ: «قلت: لسَعِيد بن الْمسيب: أَيْن تَعْتَد الْمُطلقَة ثَلَاثًا؟ قَالَ: تَعْتَد فِي بَيتهَا، قَالَ: قلت: أَلَيْسَ قد أَمر رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَاطِمَة بنت قيس أَن تَعْتَد فِي بَيت ابْن أم مَكْتُوم؟ ثمَّ قَالَ: تِلْكَ الْمَرْأَة الَّتِي فتنت النَّاس إِنَّهَا استطالت بلسانها عَلَى أحمائها، فَأمرهَا عَلَيْهِ السَّلَام أَن تَعْتَد فِي بَيت ابْن أم مَكْتُوم، وَكَانَ رجلا مكفوف الْبَصَر».
قلت: وَقد رُوِيَ أَن سَبَب ذَلِكَ خوفها أَن يقتحم عَلَيْهَا كَمَا أخرجه مُسلم فَيكون كل وَاحِد مِنْهُمَا عذر.
فَائِدَة: الذرابة بذال مُعْجمَة مَفْتُوحَة: الحدة، يُقَال فِيهِ: لِسَان ذرب وَفِيه ذرابة، وَالله أعلم.